بسم الله الرحمن الرحيم
بدأت الهيئة أعمالها في الرياض وكان لها فروعاً في مدن نجد الكبرى ، وقد كُلف الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ بأعمال الاحتساب عام 1345هـ وصار رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة نجد بما فيها القصيم وحائل وسائر بلدان العارض، ثم ضُم إليه المنطقة الشرقية والحدود الشمالية ووادي الدواسر ، فاقتضت المصلحة العامة إقامة مقر دائم للهيئة في الرياض .
أما في الحجاز فقد أنشئت الهيئة فيها بموجب الأمر الصادر من رئيس ديوان النيابة العامة برقم (2295) في 16/2/1346هـ وقد كانت تخضع لها البلدان المجاورة كجدة والطائف وغيرها, أما المدينة المنورة فقد كانت هيئتها شبه مستقلة إلا أن نظام عام 1349هـ قد أشار إلى إنشاء هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل من مكة وجدة والمدينة المنورة والطائف وينبع.
وفي عهد الملك سعود رحمه الله صدر أمره عام 1373هـ بالتوسع في إنشاء الهيئات وإيجاد الوظائف والاعتمادات اللازمة لها في كل من: منطقة عسير، ومنطقة جازان، ومنطقة الباحة، ومنطقة تبوك، ومنطقة نجران، ومنطقة القنفذة، ومنطقة أملج ، وقد كانت كل هذه المناطق تابعة لرئاسة الهيئات بالحجاز .
ثم حصل دمج بين رئاستي الهيئة في المنطقة الوسطى والمنطقة الغربية تحت رئاسة واحدة وصدر النظام الموحد واللائحة التنفيذية ؛ واستتبع ذلك إنشاء هيكل كامل المسؤوليات والإدارات على نحو يكفل القيام بواجبات الرئاسة في جميع أنحاء المملكة ، ثم تتابع إنشاء الهيئات والمراكز الفرعية في جميع مدن وبلدان المملكة .
الحسبة في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله
عندما فتح الملك عبد العزيز رحمه الله مدينة الرياض سنة 1319هـ كان العلماء و الصلحاء يقومون بواجبهم في الاحتساب على مستوى فردي ، وكان من أبرزهم :
الشيخ : عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ - رحمه الله- الذي كان يقوم بالحسبة تطوعاً في مدينة الرياض ، واحتساباً لوجه الله، فكان إذا علم أن فرداً من الناس قد ارتكب هنة من الهنات ، بعث إليه أحد الحاضرين عنده ، وأمره أن يأتي به إليه فإذا أتى زجره عن تصرفه فيما بينهما ، وهدده بالعقاب ، وبعد هذه المقابلة كان المذنب لا يعود لفعلته غالباً، فإن عاد ، جمع الشيخ من عنده من الحاضرين ، وجلد ذلك المذنب حسب ذنبه ، ثم أرسله ، وإن كان امرؤ قد اشتهر بترك صلاة الفجر ، وثقل قيامه لها ، أتى به إلى بئر من الآبار ، ثم يأخذ دلواً من الماء ويسكبه على ذلك المتكاسل المتهاون، وكان هناك عقوبة أخرى يعاقب المحتسبون بها الكسالى عن الصلاة ، والذين يقضون ركعات منها ، أو يقضونها كلها ، وهي أن ينادي بأسمائهم في المسجد ثم يؤنبهم حسب الحال .
وحين استقرت البلاد واتسع الحكم نسبياً كلّف الملك عبدالعزيز رحمه الله الشيخ عبدالعزيز بن عبد الطيف آل الشيخ -رحمه الله- بالقيام على ولاية الحسبة ، وأن يمارس أعمالها وينفذها دون تهاون ، ويباشر أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نطاق أوسع ، وقام الملك عبد العزيز -رحمه الله- بتزويد الشيخ بأعضاء يساعدونه على أعمال ولاية الحسبة، كفضيلة الشيخ عمر بن حسن بن آل الشيخ -رحمه الله- والشيخ عبد الرحمن بن إسحاق آل الشيخ - رحمه الله- والشيخ عبد الطيف بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- واستمر هؤلاء يقومون بالاحتساب بمفردهم أحياناً ، و أحيانا أخرى ينضم إليهم بعض المتطوعين ، ثم ما فتئ الملك عبد العزيز يدعمهم بين الحين والآخر بمن يعاونهم ويساعدهم في الأعمال التنفيذية للاحتساب وهم رغم قلتهم إذ ذاك ، لكنهم كانوا يؤدون على ما أنيط بهم من المهمات على خير حال بعلمٍ وحكمةٍ؛ فيأمرون، وينهون، ويعزرون من يستحق التعزير، ويلاحظون الشبيبة التي تهرب عن الصلاة، أو الذين يتجمعون تجمعات مشبوهة خارج العمران ويقومون بنصحهم والإنكار عليهم.
وكلما توسعت البلاد واطرد نموها أمدَّ الملك عبد العزيز -رحمه الله- المحتسبين بالأعوان ، وكان المقر الرئيسي للمحتسبين مدينة الرياض، وكان هناك فروع في المدن الكبرى في نجد، ولما انضمت عسير إلى الدولة السعودية أنشئ لها فرع، وكذلك أنشئ فرع في كل من الأحساء وحائل ، حينما دخلتا تحت حكم الملك عبد العزيز -رحمه الله-.
وعقب وفاة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ -رحمه الله- كلَّف الملك عبدالعزيز رحمه الله أحد مساعديه وهو الشيخ : عمر بن حسن آل الشيخ رحمه الله بأعمال الاحتساب عام 1345ه ، فأصبح الشيخ عمر رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة نجد ، بما فيها القصيم وحائل وكافة بلدان العارض ، ثم بعد ذلك ضُم إليه المنطقة الشرقية والحدود الشمالية ، وعندئذ اقتضت المصلحة إيجاد مقر دائم للهيئة ، بحيث يجلس فيه الرئيس العام ويضم الموظفين ، والدعاة المرشدين ، والمنفذين ، وتكون مقراً لكافة المراجعين، وفي هذه المرحلة اختصت رئاسة الهيئة بتنظيم أعمال الاحتساب ، وتسيير الأعمال الإدارية وإنجاز المعاملات ، والتحقيق مع المتهمين ، وإجراء ما يلزم من التأديب .
وبالنسبة لمدينة الرياض : فقد أُنشئت عدة مراكز فرعية لها في الأحياء ، نظراً للتوسع العمراني ، وعُين لكل مركز رئيس يدير شؤونه ، وزود بعدد من الأعضاء والمعاونين وبعض الجند المنفذين .
أما خارج مدينة الرياض فقد أنشئت فروع للهيئة في كل مدينة وقرية ، وكل فرع ، له مقر دائم ، ورئيس ، وأعضاء ، وجنود ، وتقوم هذه الفروع بإحالة القضايا المهمة إلى الرئاسة في الرياض .
وكان الملك عبد العزيز - رحمه الله - لا يكاد يسمع أن قرية ليس فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا وجه إلى القائم فيها كتاباً يأمره بتعيين رجال من أهل الصلاح والتقوى لهذا الأمر .
وتبع هذه المرحلة من أعمال التطوير أن الهيئة كانت تقوم بتعيين مراقبين للتفتيش لمراقبة حسن سير العمل بالفروع ومتابعتها، وذلك عن طريق القيام بجولات تفتيشية مفاجئة، والقيام بأعمال الدوريات الليلية على الأسواق , والأماكن العامة ، والشوارع والمحلات ، فمن وجدوه في حالة شبهةٍ حققوا معه ، وعاملوه بما يستحق .
وكان أعضاء الهيئات يمشون في الأسواق ، فيمنعون الاختلاط ، والسفور ، ووقوف الرجال في طريق النساء لغير الحاجة ، ويمنعون تطفيف المكاييل والموازين وظلم الدواب ، كما يمنعون الحلاقين من التعرض للحى زبائنهم بقص أو حلق ويؤدبونهم على ذلك ، ويمنعون القزع ، ويمنعون التدخين ويؤدبون عليه ، ويصادرون التبغ من الدكاكين ويحرقونه، ويؤدبون بائعه ، ويقيمون الناس إلى الصلاة حين المناداة لها ، وإذا عثروا على من ارتكب حداً رفعوا أمره إلى رئاستهم ، فيتولى المحققون فيها التثبت مما فعله المتهم ، ثم يرفعون نتائج التحقيق إلى الرئيس العام ، فيصدر بدوره ما يلزم من جلد أو نفي أو حبس ، ويمنعون تصوير ذوات الأرواح ، ويكسرون صورها ، ويمنعون اللهو الحرام ، ويكسرون ما يجدون من آلاته ، ويمسون من يجدون هذه الأشياء في حوزته بشيء من العقاب الفوري جزاء على حيازته لهذه الممنوعات شرعاً ، كما أن هناك سجنا خاصا بالهيئات ، يودعون فيه من يجدونه من المذنبين فيقضون فيه ما حكم عليهم به من حبس وخلافه .
ويلاحظ من هذه الأنشطة: أن مجالات الاحتساب اتسعت لتستوعب جميع الأنشطة العبادية ، والأخلاقية العامة ، والخاصة التي تتم في حياة الناس وذلك بفضل الله ثم نتيجة طبيعية لتنظيمها من ناحية التولية والتوجيه والسلطان .
وعقب أن ضم الملك عبدالعزيز -رحمه الله - الحجاز عام 1344ه إلى ملكه بدأ التفكير في أمر الاحتساب ، وتعيين رجال يتولونه ، ويتضح ذلك من الخطاب الذي وجهه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى علماء وأعيان مكة المكرمة ، عشية دخولها عام 1344ه، حيث جاء فيه : ( ... وبما أن الأمر واجب من قبل الله ، ونحن وأنتم ملزمون به ، ولا حجة لأحد يدعي الإسلام وهو تارك للصلاة .. فالرجاء أن تنظروا في الأمر وتعينوا رجالا من إخوانكم المنتسبين للخير ، يمشون في كل سوق ومجمع ، يأمرونهم بالصلاة كلما أذن المؤذن، حيث يعزل أهل الدكاكين ويصلون ، وإن كان في التعزيل عليهم مشقة ، فيرتب لكل سوق حرس يحافظون عليه وقت الصلاة حتى يرجع إليه أهله ، ويلزم أن لا تقوموا من مقامكم هذا إن شاء الله ، إلا وأنتم ناظرون في هذه المسألة ، لأن فيها قوام الدين والدنيا ، واتفاق الكلمة، ولاحجة بعد ذلك لأحد ..) .
كما تبين ذلك أيضاً مما جاء في نصيحته - رحمه الله – حيث قال: ( وبما أننا رأينا بعض الأمور التي توجب سخط الله وتمنع رضاه ، يجب القيام بالنهي عنها من جميع المسلمين وأمرائهم وعلمائهم ... ونحن نبين لكم الأمور التي حصل الاتفاق منا ، ومن علماء المسلمين عليها، فقد قررنا أن نعين هيئات في جميع بلدان المسلمين ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ومن أهم ذلك : إلزام الناس بالمحافظة على الصلوات الخمس في جماعة ، وحض الناس على تعلم دينهم، والقيام على أهل المنكرات ، والنظر في أمر الزكاة ، والنظر في معاملات الناس، وتفقدها للبعد عن الربا والغش والظلم ) .
إلى أن بعث الشيخ عبدالله بن سليمان بن بليهد الخالدي رئيس قضاة الحجاز آنذاك مكاتبة إلى الملك عبدالعزيز بتاريخ 20صفر سنة 1345ه جاء فيها : ( .. أنهي إلى جلالتكم أنه وقع الاختيار على حضرات الذوات المذكورة أسماؤهم برفقه ، ليقوموا بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورأينا أن يكون رئيس تلك الهيئة الشيخ : عبدالله الشيبي ونائبه السيد حسين نائب الحرم ، وكاتب الهيئة الشيخ عباس عبدالجبار ، وأن يكون مركزها بمدرسة السيد أحمد عيد بباب الصفا ، وأن تكون أعمالها :
1. تتبع أحوال الناس من جهة المعاملات والعادات، فما وافق الشرع منها تقره ، وما خالفه تزيله .
2. منع البذاءة اللسانية التي تعودها السوقة .
3. حث الناس على أداء الصلوات الخمس جماعة .
4. مراقبة المساجد من جهة أئمتها ومؤذنيها ومواظبتهم ، وحضور الناس بها ، وغير ذلك من دواعي الإصلاح .
5. أن يتخذ في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الوسائل الموصلة إلى ذلك بالحكمة، وإذا أعياها أمر من الأمور، رفعت فيه إلى أولي الأمر لإجرائه .
وقد شرح الملك عبدالعزيز - رحمه الله - على تلك المكاتبة الآتي :
( ولدنا فيصل ، هذا كتاب من الشيخ : عبدالله بن بليهد ، تنظرون هذا التقرير وتقرونه عليه ) ثم الختم الملكي ، والتاريخ في 20صفر 1345ه .